السبت، 5 أبريل 2008

صور الاستثناء

يقول شارح متن الآجرومية:" أغلب ما يأتي في الاستثناء في باب الاستثناء ، وأغلب ما يأتي في كلام الناس ، ويلحنون فيه هو المستثنى ب " إلا "و هو من أصعب وأدق ما في الاستثناء ، لأن الإنسان إذا جاء يتكلم وجاءته "إلا " وقف لا يدري هل يرفع أو ينصب ؟
يتنازع أسلوب الاستثناء ثلاث صور بحسب طبيعة الكلام و توفر الأركان :
1 التام الموجب:
يكون أسلوب الاستثناء تاما موجبا إذا ذكر المستثنى منه أي الحكم العام في الجملة كما هو الحال في الأمثلة السابقة (حضر القوم إلا زيدا)، و في الآية :{الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بعْضُهُم لبَعضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المُتَّقِينَ}[1] حيث يقصد بالتمام أن تستوفي الجملة أركانها و في هذه الجملة )بعضُهم ) المبتدأ و )عدوٌّ) الخبر. كما أن الحكم في هذه الجملة قد جاء مثبتا غير منفي، أو شبيها بالمنفي.و يمكن التعبير عن ذلك رياضيا بالطريقة التالية:) + ، + ).
2 التام المنفي:
و من صور الاستثناء أن يأتي في كلام تام قد استوفى أركانه و تراكنت الجملة بحيث يذكر المستثنى منه، إلا أن الكلام يأتي مسبوقا بنفي أو ما يشبه النفي كالنهي أو الاستفهام مثل:{... فَاسْرِي بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الَّيْلِ وَ لاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمُ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ}[2] ، و قوله تعال: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً}[3].أو في معنى النفي.و يمكن التعبير عن ذلك رياضيا بالعبارة: ) + ، - ).
3الناقص المنفي:
أما الصورة الثالثة، فهي أن يرد الأسلوب في كلام ناقص حيث يكون المستثنى منه غير مذكور، و يكون ملحوظا مفــهوما من السـياق، و يكون مسبوقا بنفـي أو شبه نفي،كـقوله تعالـى:{ وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَةً لِلنَّاسِ}[4]. و يمكن التعبير عن ذلك بالعبارة الرياضية: ) - ، -. )
حكم ما بعد "إلا"
سبق لنا و أن ذكرنا في الحديث عن المستثنى أنه يختلف حكم إعراب المستثنى باختلاف صور الاستثناء، كما أن الحكم يختلف بحسب علاقة المستثنى بالمستثنى منه، أو توفر الأركان.
و علمنا أن المستثنى هو المقصود بالحكم في أسلوب الاستثناء، و بتتبع صوره تبين أن هناك ثلاثة أحكام للمستثنى ب:" إلا " :
1 وجوب النصب على الاستثناء:
يكون حكم ما بعد إلا واجب النصب على الاستثناء إحداها من خمس حالات وقفت عليها في شرح شذور الذهب في قوله: ((وإنما يجب نصبُه في خَمْسِ مسائل:
- الخامسة أن تكون الأداة " إِلا " ، وذلك في مسألتين إحداهما: أَن تكون بعد كلام تام مُوجَبٍ ومرادي بالتام أَن يكون المستثنى منه مذكوراً، وبالإِيجاب أن لا يشتمل على نفي ولا نهي ولا استفهام، وذلك كقوله تعالى: { فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاّ قَلِيلاً مِنهُمْ }[5] وقوله تعالى: { فَسَجَدَ المَلاَئِكةُ كُلُّهُمْ أَجْمُعون إِلاّ إِبْلِيسَ }.
الثانية أَن يكون المستثنى مقدماً على المستثنى منه كقول الكُمَيْتِ يمدح آل البيت رضي الله عنهم قائلا:
وَمَالـي إِلاّ آلَ أَحْمَدَ شِيــعَةٌ
وَمَالـي إِلاَّ مَذْهَبَ الْحَـقِّ مَذْهَـبُ
انتهى النص [6]((
و في هذه الحالة يقف المصنف على حكم النصب بالاستثناء مبينا شرطه و هو أن يكون المستثنى في كلام تام موجب،كما في الآيتين اللتين استشهد بهما أو في كلام تقدم فيه المستثنى على المستثنى منه كما في
تجدر فقط الإشارة إلى أن هناك اختلاف لم يأخذه كثير من الشرّاح بعين الاعتبار مفاده العامل الذي نصب المستثنى هل هو الأداة وحدها أم الأداة بواسطة أو بفعل محذوف تقديره استثني إلا أنه ليس له تأثير في تغيير الحكم.
2 جواز النصب أو الإتباع على البدلية:
في هذه الـحالة يتأرجح الـحكم بين خيارين اثنين أحدهما النصب على الاستثناء كـما في الـحالة الأولـى، و الثانية أن يكون ما بعد "إلا" تابعا لما قبلها على أنه بدل بعض من كل.و مرد هذا الحكم أن المستثنى منه مذكور في كلام منفي )والمستثنى ب " إلا " من كلام تام موجب نحو{ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ}[7] فإنْ فُقِد الإيجاب ترجَّح البدل في المتصل نحو {مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ}[8] الآية)[9]. حيث يستوي الوجهان في حكم الإعراب و القراءة، فيجوز القراءة بالنصب )قليلاً ) لولا تغليب الرفع بسنة التواتر. و في هذا اختلاف بين النحويين أشير إليه في الشروح المختلفة لابن هشام يعقب بين التميميين و الحجازيين حيث يقول في شرح القطر: ) والنصب في المنقطع عند بني تميم وجب عند الحجازيين نحو :{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ}[10] ما لم يتقدم فيهما فالنصب نحو قوله:
وَ مَا لِي إلاَّ آل أَحْمَدَ شيِعَةٌ
وَ مَا لِي إِلاَّ مَذْهَبَ الْحََقِّ مَذْهَبُ
انتهى)[11]
3 حالة الإعراب حسب ما تطلبه الجملة:

في هذه الحالة ننظر إلى ما بعد إلا باعتبار ما قبلها كأن الأداة غير موجودة، وفيه قال صاحب الآجرومية بأن ما قبلها تفرغ للعمـل في ما بعدها، و مرد ذلــك أن الأسلوب جاء ناقـصا حيث لم يذكر الـمستثنى منه، و أتى مسبوقا بنفي أو شبهه.أي ناقص منفي ،و حكم المستثنى حينئذ هو أن بعرب حسب ما تحتاجه الجملة رفعا، أو نصبا ، أو جرا.مثل: ما حضر إلا زيدٌ ،مرفوع فاعل ، و ما رأيت إلا زيداً ،منصوب مفعول به، و ما التقيت إلا بزيدٍ، اسم مجرور، و كأن الأداة " إلا " غير موجودة،و لذلك عدت ملغاة لا عمل لها .كما سمي الأسلوب مفرغا.أو أسلوب حصر.
حكم ما بعد " غير و سوى"
عُدّت غير و سوى بكسر أو ضم السين كما سمع من قراءاتها، من أشهر الأدوات الملحقة ب " إلا " من حيث المدلول و العمل حتى لتكاد تكون مرادفتين لها حيث تقوم مقامها في جميع أحوالها السالفة الذكر، غير أن الأداتين في الطبيعة تختلف عن " إلا " فهما اسمان لا حرفان، و شيء آخر يترتب على كونهما اسمين و هو أنهما يأخذان حكم إعراب ما بعد " إلا " في جميع الصور وجوب النصب و جوازه، و الإعراب حسب مقتضى الحال.و أمثلة ذلك: { مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ }[12]، فإعراب غير ظرف للزمان متعلق بلبث و ساعة مجرورة بالإضافة إليها{ وَ مَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }[13]، فإعراب غير على أنها مفعول ثانٍ و تتبيب مضافة إليها، فنلاحظ أن غير أعربت حسب حاجة الجملة آخذة بذلك حكم ما بعد " إلا ".و ما بعد ذلك يعرب في كل مرة مضافا إلي الأداة غير أو سوى.وذكرهما في الألفية لابن مالك صاحب شرح ابن عقيل:
وَ اسْتــَثْـنِ مـَجْرُورًا بِغَيْرٍ مُعْرَبــًا
بـِمَا لـِمُسْـتَثْــنًى بـ إِلاَّ نُسِبَا
وَ لِسِــوَى سُـــوَى سَـــوَاءٍ اجْعَلاً
عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلاَ
و من شواهد غير و سوى اخترت البيت و هو لمحمد بن عبد الله بن مسلم المدني:
وَ إِذَا تـُـبَاعُ كَــرِيــمَةٌ أَوْ تُشْتَرَى
فَسِوَاكَ بَائِعُهَـــا وَ أَنــْتَ الـــمُشْتَرِي
و قد استعملت سوى مرفوعة بالابتداء كما جاء في إعرابها. .
فسواك حيث خرجت سوى عن النصب على الظرفية و استعملت مرفوعة بالإبتداء.
خروج سوى عن الظرفية يكون للضرورة الشعرية و ذلك مذهب سيبويه و الفراء و غيرهما ممن يرى أنها لا تكون إلا ظرفا. ومذهب سيبويه والفراء وغيرهما أنها لا تكون إلا ظرفا فإذا قلت قام القوم سوى زيد فسوى عندهم منصوبة على الظرفية وهي مشعرة بالاستثناء ولا تخرج عندهم عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر [14]
حكم ما بعد " خلا و عدا و حاشا"
يقول صاحب الشذور في أحوال نصب المستثنى :
- الرابعة أن تكون الأداة "ما عدا " كقولك: ( جاء القوم ما عدا زيداً ) و كقول الشاعر:
تُمَل النَّدَامَى مَا عَدَانِي فَإِنَّني
بِكُل الّذي يَهْوَى نَدِيـمِي مُولَعُ

فإذا كان الحديث عن عدا و خلا و حاشا تراوحت معانيها ما بين الفعلية و الحرفية فتارة تعد أفعالا و خاصة عندما تقترن بما المصدرية حيث تخلصها للفعلية و يأتي ما بعدها منصوبا على أنه مفعولا به للفعل من هذه الأفعال كقول الشاعر في البيت الذي أورده الأشموني و غيره في هذا الباب مرويا عن قول لَبيدِ بن ربيعة العامري الصحابي:
أَلاَ كُلٌّ شَيءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِل
وَكُلُّ نَعِيمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِل
و هذا وجه مما أورده ابن هشام في وجوب نصب المستثنى في إحدى الحالات الخمسة في قوله: - الثالثة أن تكون الأداة " ما خلا " كقولك: ( جاء القوم ما خلا زيداً )و يشمل هذا الحكم الأفعال الثلاثة دون استثناء كلما اقترنت ب:ما المصدرية. وجر ما بعد " ما عدا " و " ما خلا " فيه شذوذ ما جاء به غير الَجرْمِيُّ و الرَّبَعِيُّ و الأخفش.و علة ذلك أن ما الداخِلةَ عليهما مصدرية و ما لا تدخل إلا على الجملة الفعلية.و من جرها فعلى تقدير ما زائدة لا مصدرية و المعروف أن ما في هذه الحالة تدخل بين حرف الجر و المجرور كقوله تعالى:{ عَمَّا قَلِيلٍ ليُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ }
أما إذا تجردت من ما المصدرية فإنها تتأرجح بين الفعلية و الحرفية حيث يجوز اعتبارها أفعالا و ينصب ما بعدها على أنه مفعول به ، و يجوز أن تعتبر حروف جر و ما بعدها اسم مجرور و ذاك كثير مع حاشا لأن اقتران ما بها غير معهود.
و أورد ابن هشام في هذا الموضع رأيا لسيبويه يخص فيه عدا بعدم التجرد من ما المصدرية و عدم اقتران حاشا بها في قوله: )ولم يُجَوِّزْ سيبويه في المستثنى بِعَدَا غيرَ النصبِ لأنه يرَى أنها لا تكون إلا فعلا ولا في المستثنى بـحاشا غير الجر لأنه يرى أَنها لا تكون إلا حرفا(.

حكم ما بعد " ليس و لا يكون"
صدر صاحب شرح شذور الذهب لابن هشام الأنصاري المنصوب على الاستثناء بليس و لا يكون و ذلك لاعتبارات أوردها في هذه الفقرات قائلا: ) و إنما يجب نصبُه في خَمْسِ مسائل:
أحداها أَن تكون أَداة الاستثناء ليس كقولك: قَامُوا لَيْسَ زَيْداً وقول النبي: "ما أنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكلُوا لَيْسَ السِّنّ وَالظفُرَ" فليس هنا بمنزلة إلاّ في الاستثناء والمستثنى بها واجبُ النصب مطلقاً بإجماع.
و الثانية أن تكون أداة الاستثناء لا يكون كقولك قاموا لا يكون زيداً فلا يكون أيضاً بمنزلة إِلا في المعنى و المستثنى بها واجب النصب مطلقاً كما هو واجب مع ليس والعلة في ذلك فيهما أن المستثنى بهما خَبَرُهُمَا.. [15](انتهى.
كما عدت بيد في هذا الموضع بمعنى إلا في الاستثناء المنقطع ملازمة النصب على الاستثناء و لا تضاف إلا إلى مصدر مؤول من أن و صلتها نحو: سليم غني بيد أنه بخيل.






الخـــــاتـــــمــة:
و يبقى الاستثناء باب مفتوح على الآفاق، صعب الإحاطة في عرض محدود الأوراق، غير أن الإلمام به ممكن إذا أمعنا النظر في الأصول التي تقوم عليها أسسه و تبنى عليها قواعده،و كما قال أحد شراح الآجرومية: ( أغلب ما يأتي في الاستثناء في باب الاستثناء ، وأغلب ما يأتي في كلام الناس ، ويلحنون فيه هو المستثنى ب:" إلا " . المستثنى ب: "إلا " من أصعب وأدق ما في الاستثناء ، وإذا هضمه الإنسان ؛ لأن الإنسان إذا جاء يتكلم وجاءته " إلا " وقف لا يدري هل يرفع أو ينصب ؟
يعني: لو تأملنا هذا الكلام الذي سيذكره المؤلف الآن لوجدنا أن السيطرة على هذا الأمر سهلة وميسورة .
وهي ثلاث صور فقط يعني: إذا استوعبنا هذه الصور الثلاثة ما أصبح عندنا مشكلة فيما يتعلق ب: " إلا ").
كما أن الاستعمال المنطقي فيه ممكن مع شيء من التريث و الإمعان. نتمنى أن نكون قد أحطنا بما يفد من هذا الدرس و غرفنا ما يمكن أن يشفي الغليل من هذا الخضم و الحمد لله رب العالمين.










المراجع:

الكتاب
المؤلف
الطبعة
شرح ابن عقيل على الألفية لابن مالك
بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي
دار الفكر بيروت جميع الحقوق محفوظة 2003
شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب
ابن هشام
ش المتحدة للتوزيع دمشق ط1/1984
شرح قطر الندى و بل الصدى
أبو محمد عبد الله جمال الدين بن هشام
المكتبة العصرية بيروت الناشر الوحيد 2003
القواعد الأساسية للغة العربية
أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي
المكتبة العصرية بيروت جميع الحقوق محفوظة 2004
شرح متن الآجرومية
حسن الحفظي
ش المتحدة للتوزيع دمشق ط1/1984
الصحاح
الجوهري
موقع الوراق http://www.alwarraq.com







الفهرست:
المقدمة. 1
أسلوب الاستـثـناء 2
مفهوم الاستثناء. 2
أركان الاستثناء. 2
1 المستثنى منه: 2
2 المستثنى: 3
3 الأداة: 3
صور الاستثناء. 4
1 التام الموجب: 4
2 التام المنفي: 4
3الناقص المنفي: 5
حكم ما بعد "إلا" 5
1 وجوب النصب على الاستثناء: 5
2 جواز النصب أو الإتباع على البدلية: 7
3 حالة الإعراب حسب ما تطلبه الجملة: 8
حكم ما بعد " غير و سوى" 8
حكم ما بعد " خلا و عدا و حاشا" 10
حكم ما بعد " ليس و لا يكون" 13
الخـــــاتـــــمــة: 14
المراجع: 15
الفهرست: 16
[1] سورة الزخرف الآية 67
[2] سورة: هود من الآية 80
[3] سورة: الإسراء أية94
[4] السورة سبأ الآية 28
[5] سورة البقرة الآية 249
[6] شرح شذور الذهب ابن هشام (708 - 761 هـ = 1309 - 1360 م )
[7] سورة البقرة الآية 249
[8] سورة النساء الآية 66
[9] شرح قطر الندى و بل الصدى
[10] سورة النساء الآية 157
[11] شرح شذور الذهب ابن هشام (708 - 761 هـ = 1309 - 1360 م )
[12] سورة الروم الآية 55
[13] سورة هود اآية101
[14] شرح ابن عقيل ص 482
[15] شرح شذور الذهب لابن هشام

ليست هناك تعليقات: