السبت، 29 مارس 2008

أسلوب الاستثناء (1)

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم و صلى اللهم و بارك على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم.وبعد:
سأل العباس النبيّ صلى الله عليه وسلّم:"ما الجمال في الرجل يا رسول الله؟قال صلى الله عليه وسلّم : اللسان" وقال صلى الله عليه وسلّم:"رحم الله امرأً أصلح من لسانه"
وبمعرفة النحو يعقل عن الله عزّ وجلّ كتابه،وما استوعبه من حكمته ،واستودعه من آياته المبينة، وحججه المنيرة ، و به يفهم عن النبي صلى الله عليه وسلّم آثاره وشرائعه وسننه،و به يتّحسن المرء في منطقه، فإذا قال أفصح ،وإذا احتجّ أوضح ،وإذا كتب أبلغ ،وإذا خطب أعجب.

النحــــــــوُ يبســــــطُ من لســــانِ الألكــــــنِ
والــــمـــــرءُ تكرمـــــــُهُ إذَا لـــم يلـْــحـَــنِ
وإذا طــلبــْـــتَ من العلـــــــــــومِ أجلّـــــــــــهَا
فأجلّــــــُــها منِْْهَا مــُـــــقــــيِمُ الألسُـــــــــنِ.

بهذه الحكم البديعة نستهل حديثنا عن الاستثناء كأسلوب لغوي زخرت به آي القرآن الكريم و شرفت باستعماله أحاديث المصطفى عليه أفضل و أزكى التسليم من رب العالمين و الملائكة و الناس أجمعين.
تعرضت إلى الأسلوب فيما قرأت فوجدت له أشكالا مختلفة، و صور متعددة فرغبت في تسليط الضوء عليها، و إبانة أسرارها، و الوقوف على أبرز ما جاء في ذكرها سواء من وجوه الاتفاق أو الاختلاف بغية الإفادة و الاستفادة.
و لبلوغ ذلك ارتأيت اتباع الخطة التالية:
1. مفهوم الاستثناء
2. أركان الاستثناء: أ ) المستثنى منه ، ب ) المستثنى ، ج ) الأداة.
3. صور الاستثناء: أ ) التام الموجب ، ب ) التام المنفي ، ج ) الناقص المنفي.
4. حكم المستثنى:1) وجوب النصب على الاستثناء، 2) جواز النصب أو الإتباع، 3) الإعراب حسب الموقع.
مع إدراج ما أمكن من الشواهد الإعرابية كلما تيسر ذلك.
أسلوب الاستـثـناء
مفهوم الاستثناء
الاستثناء في اللغة يعني الإخراج و الإبعاد، و هو ضرب من النفي المنطقي، و الكلمة من الفعل استثنى المزيد بثلاثة أحرف " است" و مادته الأصلية ثنى بمعنى عطف، وثَنَيْتُ الشيء ثَنْياً: عطفتَه. وثَناهُ، أي كَفَّهُ والثُنْيا بالضم: الاسمُ من الاسْتِثناءِ، وكذلك الثَنْوي بالفتح.كما جاء في الصحاح في اللغة للجوهري[1] يقول الله تعالى:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18).}[2]
و الاستثناء اصطلاحا : إبعاد جزء من الكلام بواسطة أداة."و الاستثناء: هو إخراج بإلا أو بإحدى أخواتها ، لشيء لولا ذلك الإخراج بهذه الأداة لكان داخلًا فيما بعده" [3]" كما عرفه معظم النحاة و مفاد ذلك سيتضح عندما نتطرق إلى الأركان.
أركان الاستثناء
يقتضي الاستثناء ثلاثة أركان لاستيفائه هي : المستثنى منه، و المستثنى، و الأداة.
1 المستثنى منه:
و هو الحكم العام في الجملة و يكون عادة في مقدم الكلام، و يجوز تأخره، كما أنه يكون مذكورا أو ملحوظا يفهم من سياق الكلام و أمثلة ذلك: من الأول قوله تعالى:{ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}[4] فالحكم في الجزء الأول من الجملة عام بحيث شمل بالإخبار عن العداوة بين الأخلاء بجملة تامة حيث أفادت معنى يحسن السكوت عليه: "الأخلاء بعضهم لبعض عدو" مبتدأ و خبر كلام مفيد. و من الثاني قول الشاعر:
وَمَالـي إِلاّ آلَ أَحْمَدَ شِيــعَةٌ
وَمَالـي إِلاَّ مَذْهَبَ الْحَـقِّ مَذْهَـبُ

حيث تأخر المستثنى منه و هو: ( شيعةٌ ) عن المستثنى و الأداة: ( ما لي إلا آل أحمدَ ).

2 المستثنى:
و هو الجزء المبعد و هو المقصود بالاستثناء و من أجله أنشئ الأسلوب و هو مُتعلـَّق الكلام. و هو الذي يقع عليـه فعـل الاستثـناء، و يذكر عادة بعد الـمستثـنى منه، و الأداة،.و يكون متصلا بالـمستـثنى منه حيث يكون جزءا منه أو بعضا منه. فعندما نقول: " قام القوم إلا زيدا" يكون "زيد"هو المخرج من الحكم العام في الجملة، و هو عدم مشاركة القوم في فعل القيام، لأنه بدون ذكره يكون مشاركا لهم فيه، كما أنه هو المقصود بالحكم، و ما ذكر قيام القوم إلا تمهيدا لتوقيع الحكم، كما أن حكمه يكون مخالفا لما قبله.و يمكن أن يكون منقطعا أي مختلفا عن المستثنى منه و ليس من جنسه و نوعه كقول أحدهم: "قام القوم إلاَّ حماراً" ، و "وصل المسافرون إلا أمتعتَهم". و يختلف حكم إعراب المستثنى باختلاف صور الاستثناء فيكون منصوبا أو تابعا لما قبله أو بعرب بحسب العوامل الداخلة عليه.و لقد أفردت لذلك مبحثا.
3 الأداة:
كما جاء في حد الاستثناء أنه إبعاد لجزء من الكلام بواسطة أداة، فالأداة هي الوسيلة التي بواسطتها تتم العملية، و عددها النحويون لتنيف عن العشرة فذكروا بالإضافة إلى" إلاَّ ": غير و سوى و خلا و ماعدا حاشا و ليس و لا يكون، و اعتبرت أساسية و ضرورية.و يمكن تصنيفها كالآتي:
1" إلا " الأداة الأساسية للاستثناء وهي حرف، و خصها بعض النحويين بحكم النصب في الاستثناء بينما يرى آخـرون أن النصب يرجــع إلى عوامل أخرى كالفعـل، أو مشترك بينها و بين الفعل، كما يـمكن أن تهـمل و يسقـط عملــها.و سيأتي تفصيل ذلك.
2 غير و سوى و هما اسمان و يأخذان حكم المستثنى في جميع أحواله و مختلف صوره، و يعتبر ما بعدها مضاف إليها.
3 خلا و عدا و حاشا متقلبة بين الفعلية و الحرفية فتكون تارة أفعالا و طورا تكون حروفا و سيأتي القول عليها.في ذكر حكم المستثنى بعدها.
4 ليس و لا يكون و هما فعلان و المستثنى بعدهما خبرا لهما.

[1] لجوهري (000 - 393 هـ = 000 - 1003 م) إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر: أول من حاول (الطيران) ومات في سبيله.لغوي، من الائمة.وخطه يذكر مع خط ابن مقلة.أشهر كتبه (الصحاح) مجلدان.وله كتاب في (العروض) ومقدمته في (النحو)
[2] سورة القلم الآيتان 17و18
[3] شرح متن الآجرومية
[4] سورة الزخرف الآية 67

ليست هناك تعليقات: